التاريخ:5/9/2013
يوميات مواطن عادي
(11)
“وتنافختم شرفاً…” ما معنى الشرف؟!

لا نكاد هذه الايام ننتهي من قراءة خبر عن عملية قتل في مكان ما من هذا الوطن، حتى نجد انفسنا ننتقل الى خبر قتل من نوع آخر هذه المرة. هذا القتل يشبه انواع القتل الاخرى التي تحدث في مجتمعنا يوميا كالقتل بهدف السرقة، الثأر، حوادث الطرق.. وغيرها في أن النتيجة النهائية هي الموت لشخص ما في هذا المجتمع وإنهاء حياته حيث يقول الشاعر “تعددت الاسباب والموت واحد”. خسر انسان ما من هذا المجتمع حقه في الحياة، وهو من اهم وابسط الحقوق الانسانية التي كفلتها كل الديانات والشرائع السماوية والوضعية. ولكن نحن اليوم امام نوع مختلف من القتل، نوع مختلف في الاسباب، ومختلف في المضمون وربما مختلف ايضا في النتيجة. اننا امام قتل متعارف عليه في مجتمعنا الفلسطيني، وربما في الكثير من المجتمعات الاخرى، باسم “القتل بدافع الشرف”. العامل المشترك في هذا النوع من القتل بين كل المجتمعات هو ان القاتل يقوم بفعلته دفاعا عن شرف عائلته، وان المقتولة تُقتل لانها ادت الى انتهاك هذا الشرف، ولذلك فان قتلها ،من وجهة نظر القاتل، سوف يعيد للعائلة شرفها وسمعتها وكرامتها.

ثقافة هذه المجتمعات عامة، وعاداتها وتقاليدها ايضا تتضمن جملة من المفاهيم والسلوكيات التي تجعل من فعل القتل في هذه الحالة سلوكا مبررا ومقبولا، بل ربما مهما وضروريا في بعض الحالات. وبالطبع فان هذه الثقافة تفرز جملة من النصوص القانونية في التشريعات والقوانين تجعل من القتل مبرر قانونيا ايضا، ولا تعاقب فاعله، او بالحد الادني تجعل من العقاب امرا رمزيا وشكليا لا اكثر، حيث ان الواقع القانوني في تعامله مع هذه القضايا يسهم في تعزيز الثقافة المجتمعية، ويفتح الباب واسعا امام استمرار هذا النوع من القتل.

لن يتسع المجال هنا لمناقشة كل جوانب الموضوع ولذلك فانني سوف اركز على امرين اعتقد انهما يمثلان جوهر ه:
الأمر الاول : هو مفهوم الشرف، حيث يرتبط المفهوم بقضية التمييز بين الرجل والمرأة. والشرف مرتبط فقط بسلوك معين من المرأة، فان قامت بهذا السلوك، او كانت هناك شكوك بقيامها به، او ادّعى شخص ما قيامها به، فان ذلك يعتبر كافيا لقتلها دون اية مقدمات او تَبِعات، لأنها بهذا تكون قد مسّت “الشرف” والحقت به العار. ومن ناحية ثانية فان قيام الرجل بأي سلوك مشابه، قيامه فعلا وليس اشتباها، والكثير من السلوكيات الاخرى كالسرقة والنهب والاغتصاب والاعتداء وانتهاك الحرمات وحتى سفاح القربى وغيرها الكثير لا يعتبر مسّا بالشرف، ولذلك لا يستدعي نفس التصرف او رد الفعل، سواء المجتمعي او القانوني.

الامر الثاني: انه وللأسباب التي ذكرتها أعلاه فان باب القتل للنساء اصبح مفتوحا على مصراعيه، وتحت اي سبب يمكن للانسان ان يقتل انسانة وينتهك حقها في الحياة، لان الارضية جاهزة لذلك، فالتهمة جاهزة من ناحية العنوان والنتيجة ايضا جاهزة، والمقتولة لن تجد من يدافع عنها لان الصمت سيكون هو الحائط والسد المنيع امام فتح هذا الموضوع ونقاشه ناهيك عن التحقيق فيه. وليس مبالغا به القول ان المرأة تُقتل نفسيا ومعنويا مرات عديدة قبل ان تُقتل “جسديا”، ولذلك فان شبح القتل ليس هو السيف الذي تُقتل به النساء فعلا وحقيقة فقط، وانما هو السيف الذي يبقى مسلطا على رقاب النساء وفي وجوههن طوال الوقت في مجتمع لا يجد في انهاء حياة امرأة جريمة، بل “شرفا”.

خلال السنوات الاخيرة أثبتت العديد من الهيئات والمؤسسات الحقوقية التي رصدت ووثقت، رغم صعوبة وتعقيد ذلك، عمليات قتل للعشرات من النساء والفتيات اللواتي قُتِلن تحت هذا العنوان، ان هناك العديد من الادلة والشواهد التي تُثبت ان الاسباب الحقيقية لعمليات القتل كانت في معظم الحالات، هي غير الاسباب المعلن عنها، وتوفرت هناك أسس وبينات معقولة في حالات كثيرة للادعاء انه في بعض هذه الحالات قُتِلت بعض النساء لاسباب ليس لها علاقة بموضوع “الشرف” وإنما لها علاقة بأمور مجتمعية مختلفة كالميراث مثلا، حيث يلاحظ في مجتمعنا تفشي وشيوع عادة حرمان المرأة من الميراث، وبصورة تخالف كل المعاهدات والمواثيق الدولية ناهيك عن الشرائع والاديان السماوية، وفي هذه الحالة فان الجريمة تتحول الى جرائم عديدة حرمان من الميراث، وللتهرب من تبعات القتل يدمغ بختم “القتل بدافع الشرف”، ويصمت المحيط، وينجو القاتل بفعلته لكي يستمتع بحصة ضحيته من الميراث. ويبقى سيف القتل مُشهرا في وجه كل النساء الاخريات، الاحياء منهن، معبرا عن مدى صلافة وجبروت الضغط والابتزاز لهن في كل مجالات الحياة ولسان حاله يقول “مهما اختلفت الاسباب والدوافع فالختم واحد”.

هذا هو احد اشكال ومفارقات القتل على خلفية “الشرف”. وبالمناسبة فانه ما يزال يحدث حتى ايامنا هذه، وفي الدولة العضو رقم (194) في هيئة الامم المتحدة، والتي ينص قانونها الاساسي على ان”الفلسطينيون أمام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة”. والمفارقات الاخرى في هذا القتل ان الضحية تقتل، ويصمت الشهود، وتقتل الضحية مرة ثانية حين تُختم بالختم “بدافع الشرف”، ويعيش القاتل معززا مكرما ويحمل اوسمة الشرف والكرامة، وقد يستمتع باموال المقتولة وممتلكاتها، ويواصل الشهود حياتهم بطريقة عادية وكأن شيئا لم يكن. وأمام هذه المفارقات المختلفة فانني هنا اتساءل عن تعريف مجتمعي متفق عليه لمفهوم “الشرف”. لاننا في حال لم نتمكن من الاتفاق على مفهوم موحد فان كل فرد في هذا المجتمع سوف يتبنى تعريفه الخاص، ويعمل وفقا له، وهنا الجريمة الكبرى بحق هذا المجتمع. وهي ان يقوم القوي فيه بالتصرف وفق احكامه ومفاهيمه دون مراعاة لأي قيم او شرائع او غيرها، وحينها لا يتبقى لنا سوى “شريعة الغاب” تَحكُم وجودنا وعلاقاتنا. دار حوار بين الكاتب البريطاني الساخر برناد شو وكاتب آخر قال له: انا افضل منك لانني اكتب من اجل الشرف وانت تكتب من اجل المال، فرد عليه برناد شو قائلا: صدقت لان كل منا يكتب عما ينقصه.

انتهى
نبيل دويكات
رام الله- 5 أيلول 2013
http://www.maannews.net/arb/ViewDetails.aspx?ID=627192
http://www.wattan.tv/new_index_hp_details.cfm?id=a3719916a6847920&c_id=9
http://arabic.pnn.ps/index.php/ideas/65756-
http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2013/09/05/305075.html

 

 

You are not authorized to see this part
Please, insert a valid App IDotherwise your plugin won't work.

One comment on “يوميات مواطن عادي (11) “وتنافختم شرفاً…” ما معنى الشرف؟!

  • Unquestionably believe that which you said. Your
    favourite justification appeared to be on the net the easiest
    thing to be aware of. I say to you, I definitely get annoyed even as
    other folks think about issues that they just don’t realize about.
    You controlled to hit the nail upon the highest and also defined out the whole thing with no
    need side effect , people could take a signal. Will probably be again to get more.
    Thank you

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *