التاريخ:22/5/2014

يوميات مواطن عادي
(25)
قتل النساء… بين القانون والثقافة السائدة

قبل عدة أيام أصدر الرئيس الفلسطيني قرار بقانون بشأن تعديل قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960 وتعديلاته. يتركز جوهر قرار الرئيس حول قضية واحدة فقط، وهي تعديل المادة (98) من قانون العقوبات المذكور. بدت هذه الخطوة كأستجابة مباشرة من صانع القرار الفلسطيني لحركة المناصرة والتأثير التي تقودها مجموعات واسعة من المؤسسات النسوية والحقوقية خاصة، والمجتمع المدني عامة من أجل إتخاذ الإجراءات والخطوات الكفيلة بوضع حد لظاهرة قتل النساء في المجتمع الفلسطيني. لقد تنامت وتوسعت حركة المناصرة هذه خلال الأعوام الأخيرة، وربما بصورة موازية لتزايد عدد النساء والفتيات اللواتي يقتلن كل عام، وقرار الرئيس الفلسطيني جاء في سياق هذا الموضوع ومرتبط به إرتباطا مباشراً. لكن السؤال الذي لا يلبث أن يتبادر الى الذهن هو: الى أي مدى يمكن أن يكون القرار علاجاً شافياً لظاهرة قتل النساء؟

للإجابة على هذا السؤال لا بد من القاء نظرة سريعة على تطور مشابه حيث كان الرئيس قد أصدر قراراً له صلة بنفس الموضوع خلال أيار من العام 2011، وتضمن القرار في حينه إلغاء المادة (340) من قانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960، وتعديل المادة (18) من قانون العقوبات الإنتدابي رقم (74) للعام 1936، حيث أن هذان القانونان هما السائدان والمطبقان في المحاكم الفلسطينية. وكان القرار قد جاء أيضا على نفس الخلفية،وهي إرتفاع عدد حالات قتل النساء. وفي ردود الفعل والمواقف الأولية التي تلت كل قرار من هذه القرارات كان الترحيب من كل المتابعين والمهتمين بهذا الأمر، سواء كان من المؤسسات النسوية أو الحقوقية أو غيرها من مؤسسات المجتمع المدني.

وفي التفاصيل اللاحقة كانت ردود الفعل والمواقف المختلفة تسارع الى الترحيب بالقرار والإشادة به وإعتباره إستجابه تعبر عن مدى إهتمام أعلى مستويات صنع القرار بالظاهرة وحث الخطى والجهود من أجل علاجها. لكن عند التدقيق والبحث في التفاصيل اللاحقة فإنه سرعان ما تتضح مجموعة من الحقائق التي ينبغي التوقف عندها على المستوى الاستراتيجي وهي:
أولاً: إختلاف وجهات النظر، في كل مرة كان سرعان ما يتضح أن هناك خلافات في وجهات النظر حول مضمون كل قرار، ومدى قدرته على معالجة الجذور والأسس القانونية لظاهرة قتل النساء. وكان يمكن ملاحظة هذا الأمر بكل سهولة عند متابعة مواقف الأطراف المختلفة في الحركة النسوية، والتي تراوحت بشكل عام بين الحماس الشديد للقرار، وإعتباره كالبسلم الشافي في علاج الظاهرة، وبين الترحيب والإشادة ولكن مع إعتبارها “خطوة غير كافية”. وبين هذا وذلك نجد الكثير من التحليل والتفسير الذي يعكس بمضمونه جوهر الإختلاف.

ثانياً: الإختلاف يضعف الموقف، وهو من أبجديات العمل السياسي والإجتماعي وبناء التحالفات وحملات المناصرة والتأثير حول أية قضية من القضايا. وفي هذا العنوان بالتحديد، وخلف الكواليس، وفي الإجتماعات والغرف المغقلة كان يتردد صدى سؤال جدي في وجه مختلف أطراف العمل النسوي وهو: ما الذي تطلبونه بالتحديد؟ صحيح أن دوافع طرح السؤال لم تكن بريئة أو بعيدة عن المقاصد في بعض الحالات، إلا انه كان يعكس حالة من حالات الضعف الناتجة عن الإختلاف في المواقف. ويعبر أيضا عن أن هذا الضعف مرئي على المستوى العام. وفي كل الأحوال فإن هذا الوضع لا يزال موجوداً بصورة أو بأخرى. وما يجري في الاجتماعات والتحركات التي تبعت القرار الأخير والمواقف المختلفة منه تعبير واضح عن ذلك. الأمر الذي يعني أنه لا زال هناك حاجة ماسة للإعتراف بالإختلاف وتأثيره السلبي على النتائج، وهو ما يجب البحث فيه لإيجاد مخرج له، عوضا عن الهروب أو التهرب منه.

ثالثاً: إستمرار الظاهرة في الواقع، صحيح أنه لم تمضي إلا أيام قليلة على القرار الأخير المرتبط بالموضوع، إلا أن المؤشرات الأولية لا تزال تنذر بأن التغيير على أرض الواقع، وأقصد القضاء على ظاهرة قتل النساء، لا يزال صعب المنال. فمنذ القرار الأول في أيار عام 2011 وحتى القرار الثاني في ايار 2014 تظهر خارطة القتل أن الإتجاه كان يسير تصاعديا، أو على الأقل لم يشهد أية حالة من حالات الإنخفاض. ورغم حالة التفاؤل القائمة حالياً، إلا أنه يجب أخذ الإعتبار لإحتمالات من مثل إستمرار الظاهرة خلال الفترة القادمة. وهو أمر يتطلب في إعتقادي التعامل معه على المستوى الإستراتيجي من قبل كل أطراف الحركة النسوية خاصة، ومؤسسات المجتمع المدني عامة.

رابعاً: بين تغيير القانون وتغيير الثقافة السائدة، وهنا يمكن جوهر المسألة ومنابعها الأساسية. وحتى تتضح الصورة فإنني سأفترض جدلاً أنه تم تعديل كل المواد القانونية المرتبطة بالموضوع في قانون العقوبات، وتعديل بعض القوانين الأخرى المرتبطة بالموضوع، أي بإختصار الإفتراض جدلاً بأنه تم إزالة كل الأسس والجذور القانونية لظاهرة قتل النساء، فهل من المتوقع أن تنتهي الظاهرة؟ لا أعتقد أنها ستنتهي في المدى القريب والمنظور، لان أسسها لا تزال موجودة في صميم الثقافة الإجتماعية، وهي منغرسة في المجتمع ومؤسساته المختلفة، وهي أيضا تمتلك العديد من المقومات لإعادة إنتاجها من جديد، بصور وأشكال مختلفة تناسب التغيرات والتطورات. حيث تشير تجربة الكثير من المؤسسات التي تتابع تفاصيل توثيق حالات قتل النساء أن القتل يأخذ طرق وأشكال مختلفة، تبدأ بالقتل النفسي والإجتماعي ولا تنتهي عند حدود “السقوط من سطح البناية”، أو “الوقوع في بئر مياه”، أو “تناول أدوية وعقاقير قاتلة”… وغيرها من الأسباب التي تظهر في سجلات الجهات الرسمية والقانونية في باب عرض “أسباب الوفاة” بالنسبة للنساء او الفتيات.

لكل ذلك فإن الحديث بلغة إحتفالية وكأننا تمكنا من وضع يدنا على الجرح هو حديث مبالغ فيه، إذا لم يتضمن من الناحية الأخرى جملة من المخاوف ويضعها في الحسبان من ناحية، ومن ناحية أخرى رسم إستراتيجيات عمل جديدة تسهم في تحقيق انجازات على أرض الواقع وليس أقلها استراتيجية تستهدف في جملة ما تستهدفه العمل في كل المجالات من أجل تغيير الثقافة المجتمعية، التي تشكل الأساس والمنبع الرئيسي لظاهرة قتل النساء.

خلاصة القول أن التعديلات القانونية لمواجهة الظاهرة، رغم أهميتها وحيويتها غير كافية من ناحية، ومن ناحية أخرى هي غير مضمونة في الواقع السياسي والاجتماعي القائم حالياً. مخطىء من يعتقد أن أي قرار أو تعديل قانوني من الرئيس، دون التقليل من أهميته، سيكون هو الفاصل في تاريخ القضاء على ظاهرة قتل النساء. خاصة إذا أخذنا بعين الإعتبار أن جملة القرارات الرئاسية الحالية ستكون على طاولة المجلس التشريعي، صاحب السلطة الأولى للتشريع، عند إنعقاده. وهنا ستزداد المسألة تعقيداً على تعقيد، حيث ستكون الأمور حينها محل مساومات بين مختلف الإتجاهات والقوى السياسية، هذا من ناحية. ومن الناحية الأخرى مسألة العلاقة الجدلية بين القانون والثقافة المجتمعية السائدة. على الأقل هذا ما تشير اليه تجربتنا كمجتمع فلسطيني. ولذلك فإن المطلوب حالياً هو حالة من شحذ الهمم، وتوحيد الرؤيا والأهداف ومناهج وأدوات العمل والتقدم الى الأمام في طريق الباب الأوسع نحو التغيير الحقيقي والدائم وهو باب التغيير المجتمعي، عبر تغيير الثقافة السائدة. صحيح ان هذا الطريق سيكون هو الأطول والأصعب، ولكنه بالتأكيد سيكون هو الأضمن لإحداث التغيير المطلوب.

إنتهى

نبيل دويكات
رام الله- 22 أيار 2014

http://www.wattan.tv/ar/news/93945.html
http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2014/05/22/541611.html
http://www.amin.org/articles.php?t=opinion&id=24031
http://www.rb2000.ps/ar/news/111407.html
http://arabic.pnn.ps/index.php/ideas/90268
http://www.ekhbaryat.net/?newsID=55170
http://www.asdaapress.com/?newsID=2993
http://zamnpress.com/zamn_blog/51428
http://www.alhourriah.net/ar/?page=det&id=23938

 

You are not authorized to see this part
Please, insert a valid App IDotherwise your plugin won't work.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *