التاريخ:4/6/2014

يوميات مواطن عادي
(26)
تعديل المادة (98) من قانون العقوبات .. خطوة الى الأمام خطوتان الى الوراء

أثار إهتمامي عنوان خبر إعلامي نُشر في الثاني من حزيران الحالي على صفحات إحدى الصحف الألكترونية الفلسطينية، يشير عنوان الخبر الى جلسة حوار قانوني بشأن القرار بقانون الملغي للعذر المخفف المتعلق بقضايا قتل النساء، والحديث هنا عن قرار الرئيس الفلسطيني بتعديل المادة (98) من قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960. وإهتمامي بالأمر كان لأسباب عديدة أولها أنني أتابع الموضوع بحكم عملي، وثانياً أنني نَشرت خلال الشهر الأخير مقالتين تتحدثان عن ظاهرة قتل النساء أحدهما كانت قبل أيام من الإعلان عن قرار الرئيس الفلسطيني بتعديل المادة، فيما كانت المقالة الثانية بعد عدة أيام من هذا القرار، وثالثاً لأنه كانت قد وصلتني دعوة للمشاركة في الجلسة، ولم أتمكن من حضورها. وعلى كل حال فإن أكثر ما يثير الإهتمام في ذلك هو كون الجهة المنظمة للجلسة هي مؤسسة تعمل في إطار رؤية تسعى “من أجل دولة العدالة وسـيادة القانون في فلسـطين”، وهي “تعني بالرقابة على اداء اركان العدالة وتنمية ثقافة القانون والتأثير في التشريعات”، وأن الجلسة عقدت بالتعاون مع وزارة خارجية إحدى الدول الأوروبية.

تابعت الخبر بتفاصيله حيث توقعت أن يكون الحدث مناسبة هامة لتأكيد موقف المؤسسات الحقوقية والنسوية التي رحبت بشكل عام بقرار الرئيس عند إصداره، أو إستمراراً لأشكال التعبير عن الترحيب بالتعديل، والتي لم تتوقف منذ الإعلان عنه، وبادرت الكثير من المؤسسات النسوية والحقوقية والقوى والأحزاب السياسية الى الترحيب به والتعبير عن الدعم والتأييد لإصداره، بل إن بعض المؤسسات إعتبرت القرار خطوة هامة وتحتاج الى الإستكمال من خلال تعديل مواد ونصوص أخرى في نفس القانون ولها علاقة بظاهرة قتل النساء. ولكل ذلك ربما توقعت ان أجد مواقف أكثر تقدماً في السعي من أجل سحب كل الأسس والمبررات القانونية التي إستندت اليها ظاهرة قتل النساء. غير أن العكس هو ما حصل خلال قراءة الخبر نفسه، فقد أصبت بالصدمة حين قرأت أن أحد التوصيات التي صدرت عن اللقاء تشير الى “مطالبة الرئيس بإلغاء القرار بقانون الملغي للعذر المخفف والمتعلق بقضايا قتل النساء بدواعي الشرف”، وربما تزداد حدة الصدمة حين نعلم أن الخبر يشير الى مشاركة عشرات القانونيين “محامين متدربين ومزاولين” في تلك الجلسة.

كل ذلك أثار لدي مزيداً من الفضول الى معرفة حيثيات ومجرى المناقشة خلال تلك الجلسة، وقد تبين لي ان مضمون الخبر غير دقيق من ناحية أن معظم الحضور رفضوا الدعوة أو الحديث عن مطالبة الرئيس الفلسطيني بالغاء القرار الخاص بتعديل المادة (98)، حيث ورد في نص الخبر ما يشير الى ان الحضور أجمعوا على مطالبة الرئيس بالغاء قرار التعديل. وللدقة كان من بين الحضور عدد محدود جداً من الأشخاص الذين طالبوا بإصدار تلك التوصية التي وردت في الخبر، ويحتاج الأمر الى مناقشة لاحقة من منطلقات أخلاقيات العمل الصحفي ودقته ومهنيته. تفاجأت أكثر حين علمت أنه كان من بين الحاضرين من يطالب صراحة بإلغاء التعديل وإبقاء المادة (98) كما هي، وللمفارقة أن يكونوا من القانونيين والمحامين، بل إن بعضهم سواء في تلك الجلسة أو في مواقع التواصل الإجتماعي أشاروا ليس فقط الى موافقتهم وتأييدهم الشخصي لظاهرة قتل النساء، بل إنهم إدّعوا أن معظم الشارع الفلسطيني يؤيد قتل النساء، وأن من طالبوا بتعديل قانون العقوبات هم قلة قليلة ولا يمثلون الرأي العام، وربما أكثر من ذلك إندفعوا الى القول ان المشرع الفلسطيني إتخذ قرار التعديل كردة فعل واستجابة لمطلب “بعض” المؤسسات النسوية.

يقودنا كل ذلك للحديث مرة أخرى عن الأرضية القانونية لظاهرة قتل النساء وإرتباطها بأبعادها الأخرى، وخاصة الإجتماعية. وسأكتفي بالحديث تحديداً عن الإتجاه الذي يقف في وجه أي تغيير، مهما كانت درجته ونوعه، حول هذا الموضوع. بمعنى أنه يتمسك بالواقع القائم كما هو، وهذا يعني الإتجاه الذي يقف مدافعاً عن ظاهرة قتل النساء، ولا يقتصر موقفه على عدم إعتبارها ظاهرة تشكل خطر حقيقي يهدد وحدة الأسرة والمجتمع الفلسطيني، بل العكس يرى فيها ظاهرة صحية وتخدم تماسك ووحدة الأسرة والمجتمع عامة. وحتى هذا الإتجاه لا نلبث عند التدقيق في تفاصيله، أن نجد تباينات وإختلافات، فبعضهم يستند في موقفه الى مصلحة آنية، وبعضهم يتبنى موقف مبدئي وفلسفي تجاه الأمر من حيث الجوهر.

سرعان ما تتكشف الوجوه الحقيقية، وتظهر المصالح والإعتبارات المختلفة بدون أقنعة، مثلا بالنسبة لبعض المحامين فإن هذه المادة كانت تسهل عملهم في المحاكم خلال الدفاع عن موكليهم “القتلة”. يأخذ كل طرف مكانه الحقيقي في الإصطفاف إما في هذا الجانب أو ذاك، وفق إعتبارات خاصة به، وهذا يعني أن المواقف المترددة، أو الوسطية، أو اللحظية، أو التكتيكية أو البراعماتية لا تلبث أن تفقد قيمتها ومعناها، وتجد نفسها في لحظة حسم حقيقية. وقد تحدثت بوضوح وشمولية عن هذا الأمر في المقالتين السابقتين. أما ما حصل في جلسة الحوار التي تحدثت عنها فإنه يعبر ويؤكد على أن ظاهرة قتل النساء هي جزء لا يتجزء من فلسفة ترتبط إرتباط وثيق بجوهر وأسس العلاقة بين الذكور والإناث في أي مجتمع من المجتمعات. ولذلك فإنه كلما زاد الإقتراب من الظاهرة، كلما زاد الإقتراب من أسس هذه العلاقة وبالتالي فإنه من المتوقع ان تتكشف أكثر وأكثر الوجوه والمواقف الحقيقية، وتزداد حدة المواقف، ودرجات التعبير عنها.

لعل أكثر ما يؤسف في الموضوع، أنه وخلال كتابة هذه المقالة، إنضمت الى قائمة النساء والفتيات المقتولات فتاة أخرى. وفي هذا ما يثبت حقيقة أن الفكر الذكوري يعيد إنتاج نفسه في ثقافة كل مجتمع من المجتمعات، وهو يستخدم كل الإمكانات والآليات المتوفرة من أجل المحافظة على الوضع والعلاقات القائمة دون تغيير، على الأقل من ناحية الجوهر. ولعل أحد اهم الآليات التي يستخدمها هي “تشذيب” الفكر المقابل له بصور وأشكال مختلفة. هنا تذهب الأمور الى الإطار النظري والتجريدي العام الذي يرى أن هناك إتجاهين مختلفين للتغير في المجتمعات البشري: الأول: يعمل على التغيير في إطار العلاقات القائمة، والحفاظ على أسس وأركان النظام القائم. بينما يرى الإتجاه الثاني المقابل أن التغيير يجب أن يشمل أسس وقواعد النظام القائمة وكل ما يترتب عليها.

اذا كنا نقول أن التعديلات القانونية لمواجهة الظاهرة، رغم أهميتها وحيويتها غير كافية من ناحية، ومن ناحية أخرى غير مضمونة في الواقع السياسي والاجتماعي القائم حالياً، فكيف سيكون الحال إذا وُجد من يرفض هذه التعديلات من الأصل؟! مخطىء من يعتقد أن أي قرار أو تعديل قانوني من الرئيس، دون التقليل من أهميته، سيكون هو الفاصل في تاريخ القضاء على ظاهرة قتل النساء، حيث إعتقدنا عند إصدار الرئيس الفلسطيني قرار تعديل المادة (98) من قانون العقوبات أننا تقدمنا خطوة الى الأمام على طريق مواجهة ظاهرة قتل النساء. لكننا نجد أنه لا زال هناك إتجاهات ترفض التغيير، ترفض التطور والسير الى الأمام، ولا تلبث أن تطل برأسها لتأكيد وجودها، ودورها، وتريد إعادتنا خطوتان الى الوراء. ربما لتذكرنا اننا لا زلنا بحاجة الى إستراتيجيات جديدة من أجل تغيير الثقافة المجتمعية، التي تشكل الأساس والمنبع الرئيسي لظاهرة قتل النساء.

إنتهى

نبيل دويكات
رام الله- 4 حزيران 2014

http://www.wattan.tv/ar/news/95005.html
http://www.amin.org/articles.php?t=opinion&id=24118
http://www.rb2000.ps/ar/news/112502.html
http://arabic.pnn.ps/index.php/ideas/91426
http://hayatfm.ps/page,viewpage,13460
http://www.maannews.net/arb/ViewDetails.aspx?ID=703044
http://www.ekhbaryat.net/?newsID=55605

 

 

You are not authorized to see this part
Please, insert a valid App IDotherwise your plugin won't work.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *