التاريخ: 8/1/2012
يوميات مواطن عادي
نبيل دويكات
تتناول هذه السلسلة من المقالات جوانب مختلفة من الحياة اليومية التي يعيشها المواطن الفلسطيني، وتسلط الضوء على حجم المعاناة، أياً كان مصدرها، في مختلف التفاصيل التي تظهر وكأنها بسيطة أو تافهة ولا تستحق الذكر أمام القضايا الكبرى والرئيسية في حياة الشعب الفلسطيني، لكنها تترك بصمات وانعكاسات مختلفة على حياة المواطن الفلسطيني. وهذه السلسلة تركز أساسا على وصف ونقد المظاهر السلبية، كما أنها تتطرق أحيانا إلى تسجيل الجوانب الايجابية من أجل تشجيعها.

ما تتناوله المقالات لا يمثل بالضرورة تجربة شخصية لكاتبها فقط، وإنما تمثل حصيلة لتجارب وقصص وروايات واقعية وحقيقية لمجموعة من الأصدقاء والزملاء، وبالطبع دون التطرق للأسماء والأشخاص.

يهمني هنا إعادة التأكيد على أن الهدف من المقالات ليس التجريح أو الإساءة لأي أحد مهما كان موقعه أو منصبه، وإنما الهدف هو تسليط الضوء على جوانب مظلمة من حياة مجتمعنا، وفضح الكثير من الظواهر السلبية التي “تعشش” بيننا، وتصيبنا بالألم كل يوم. ليس هناك مبالغة أو تهويل أو تضخيم للأمور والحقائق، بالعكس فإن هناك نوعا من “التشذيب” للواقع بما يتناسب مع لغة النشر، وبما لا يحرّف أو يمس جوهر الحدث ومغزاه في حياتنا اليومية.
(1)
المواطن والمعاملات الضريبية
في مكان ما في إحدى مدن الضفة الغربية حيث أسكن توجهت للحصول على شهادة “براءة ذمة” من الضريبة، وكنت ملزما بالحصول على هذه “الشهادة” لإتمام بعض المعاملات البنكية. سوف أتناول هنا مشهدين خلال محاولتي إنجاز هذه المعاملة

المشهد الأول
في دائرة الضريبة التي تحتل بناية كاملة في إحدى الأماكن التي لا يوجد عليها أي خط مباشر من خطوط المواصلات العامة، دخلت إلى احد الطوابق الذي كان عبارة عن قاعة كبيرة جدا مقسمة بألواح من الجبس إلى ممرات ومكاتب فرعية، بشكل عام لم يكن هناك أية لافتات توضح الأقسام أو الدوائر المختلفة أو أسماء الموظفين وتخصصاتهم أو أي أمر آخر، وبالطبع اضطررت إلى دخول أكثر من غرفة وشرح مطلبي لأكثر من موظف حتى تمكنت من الوصول إلى المكتب المطلوب.

شرحت ما أريد طلبه للموظف الجالس أمام المكتب، الذي قام بسهولة بطباعة ورقة توضح المبلغ الذي يتوجب علي دفعه قبل الحصول على الشهادة. وتبين لي أيضا أنه يجب دفع المبلغ في البنك، وأنه لا يوجد أية فروع للبنك في تلك الدائرة أو حتى المنطقة. حمدت الله أني أملك سيارة خاصة، حيث أنه بدونها كان يتوجب علي التنقل عبر وسيلتين للمواصلات العامة ذهابا إلى البنك المقصود، واثنتين أخريين للعودة للدائرة. وبالطبع وصلت البنك ولسوء حظي فإنني انتظرت في الدور لمدة تقارب الساعة للوصول إلى الصندوق ودفع المبلغ المطلوب والحصول على وصل بالدفع. وعندها قررت أن أترك بقية المهمة لليوم التالي لأنه يبدو أنني لن أتمكن من انجاز المعاملة قبل نهاية الدوام. وكان علي أن آتي مبكرا.

فاتني أن أقول انه حين قام الموظف باستخراج وصل الدفع لي وقرأت انه يتوجب دفعه في احد البنوك سألته “ألا يمكن دفع المبلغ المطلوب هنا؟” فأجابني بنوع من الاستغراب، ربما مما يعتقد انه سذاجة مني “لا، الدفع لكل المعاملات في البنك فقط”. أجبته محاولا ربما فحص اقتراح خطر في بالي في تلك اللحظة “إذا كانت كل رسوم المعاملات يجب أن تدفع في البنك، لماذا لم تطلبوا من البنك فتح فرع له هنا؟” رد علي بطريقة توحي إلى أن البنك هو السبب في عدم فتح فرع له “إسأل البنك؟”. أدركت ما يريد أن يقوله دون تصريح مباشر، ولكني طورت اقتراحي بسؤال آخر “لماذا لم تطلبوا من بنوك أخرى فتح فرع لها هنا؟؟ فأجابني “اسأل المسؤولين”.
نعم أنا أود هنا أن أوجه السؤال مباشرة للمسؤولين “لماذا لا تعملون على إيجاد آلية تسهل على المواطنين الراغبين في دفع ضرائبهم؟ علما أن حجم المعاملات اليومية يعد بالمئات، إن لم نقل آلاف، فضلا عن المبالغ الهائلة التي تجبيها هذه المكاتب”

المشهد الثاني
عدت في اليوم التالي إلى نفس المكتب لإتمام المعاملة بعد دفع رسومها في البنك، وحرصت هذه المرة على الحضور مبكرا، في خطوة احتياطية مني لكي يكون لدي وقت كافي في حال ظهور أية أمور أو مستجدات غير معروفة لي وقد تحتاج وقت أطول. وربما كان إحساسي صادقا. فما إن دخلت المكتب الذي دخلت إليه يوم أمس، حتى وجدت موظفاً آخر، وحين عرضت أمامه وصل الدفع طالبا منه الحصول على الشهادة سألني عن الطلب من دائرة الطابو. تفاجأت من طلبه، وأخبرته أنهم لم يعلموني أمس بالحاجة لهذا الطلب، إلا انه أصر على طلبه بأنه يتوجب علي إحضار الطلب. وكان علي أن أغادر الدائرة لإحضار الطلب من دائرة الطابو الواقعة في مكان أخر بالمدينة، ولم أنسَ قبل أن أغادر، من باب الاحتياط أيضا، أن أتأكد من الموظف إذا كان هناك حاجة لمعاملات أخرى من دوائر أخرى لإكمال معاملتي.

عدت مرة أخرى للدائرة بعد ساعتين وبعد أن أحضرت الطلب، وربما سيحتاج ذلك إلى مقالة حول مشهد أخر، لكن الآن أنا الآن في الدائرة المعنية، وهناك قدمت الطلب وكان فارغا، وقام الموظف بتعبئة كافة المعلومات المطلوبة فيه، ولم ينسَ أن يشير لي خلال ذلك أنه يقوم بمساعدتي تطوعا في تعبئة المعلومات التي كان عليّ، وفق ما قال لي، أن أقوم أنا بتعبئتها بنفسي. وحين أجبته بأنه لم يخبرني أي أحد هنا أو في دائرة الطابو انه يجب أن أقوم بتعبئة المعلومات اكتفى بالقول لي أن ذلك معروف.

بعد أن انتهيت من معاملتي توجهت له بالسؤال حول لماذا لم يطلب مني الموظف الذي كان على نفس المكتب يوم أمس إحضار طلب من دائرة الطابو. فأجابني بأنه لا يعرف السبب، واستدرك بالقول أنه والموظف الذي كان على المكتب يوم أمس وغيرهم من الموظفين يحلون محل الموظف الأساسي المكلف بهذه المهمة والذي ذهب في إجازة. وذلك ما استفز لدي سؤال آخر له “لكن أنت اليوم أعلمتني بأن الطلب من دائرة الطابو هو أحد متطلبات انجاز المعاملة، والموظف الذي كان يوم أمس لم يعلمني بذلك. هل كان يعلم بذلك ولم يخبرني أم أنه لا يعلم؟” أجاب: “المفروض انه يعلم وكان يجب أن يخبرك بذلك”. لكنه لم يخبرني بالطبع، وهذا ما اضطرني للذهاب والإياب مرة إضافية إلى الدائرة، وبالطبع اضطراري للحصول على إجازة من عملي لإتمام المعاملة.
سؤالي هنا “هل تتوفر المعلومات كاملة لكل المواطنين عن كل المعاملات ومتطلباتها في أية دائرة من الدوائر؟؟”

اكتفي هنا بهذين المشهدين الذين اختصرتهما فيما كتبت، إلا أنهما فعليا استغرقا معظم ساعات العمل في يومين كاملين. هناك العديد من الأسئلة الأخرى التي كان بودي أن اطرحها هنا، لكن المجال لا يتسع، وأتمنى أن يتسع وقت المعنيين بهذا الأمر لكي يقرأوا المقالة ويعملوا من أجل تسهيل حياة آلاف المواطنين الآخرين الذين يمرون يوميا بهذه التجربة.
Nabilsd2004@yahoo.com

http://arabic.pnn.ps/index.php/ideas/1020-2012-01-10-09-59-48
http://nablustv.net/internal.asp?page=details&newsID=66313&cat=19
http://www.amin.org/Print.php?t=opinion&id=16774

 

You are not authorized to see this part
Please, insert a valid App IDotherwise your plugin won't work.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *