تابعت قبل عدة أيام مؤتمراً صحفياً لأحدى المؤسسات التنموية الفلسطينية حول موضوع الكشف عن مواد سامة في منتجات غذائية إسرائيلية. وخلال المؤتمر جرى الكشف عن أن فحص عدة آلاف من عينات المنتجات الإسرائيلية في السوق الفلسطيني أثبت أن نسبة التلوث في المنتج الإسرائيلي تصل الى 18%، في حين أن التلوث بالمنتج الفلسطيني 10%. وخلص الى نتيجة مفادها ضرورة العمل على رفض دخول المنتج الإسرائيلي للسوق الفلسطيني. وبدون الدخول في كل تفاصيل ما جرى طرحه ونقاشه في المؤتمر الصحفي نفسه، وفي ردود الفعل التي صدرت تعقيباً عليه فإنني كمواطن عادي لفت انتباهي أمر آخر اعتقد انه جدير بالنقاش.

لعل من المهم ان نتذكر أن المتابع لنشاطات وانجازات الهيئات والجهات المختصة بمراقبة جودة، بل وصلاحية المنتجات التي يجري عرضها في السوق امام المستهلك الفلسطيني تشير عموماً الى ان هذا السوق أصبح، بصورة أو بأخرى، مجالاً كبيراً لنشاط “فئة محددة” من التجار، وبالطبع التعميم ليس وارداً هنا. هذه الفئة التي يمكن ان ينطبق عليها صفة “تجار الحرب” او “تجار الموت” وهي باختصار تلك الفئة التي تستهدف الربح السريع دون أي اعتبار لصحة وحياة المواطن الفلسطيني، وهي تعمد الى “التقاط” تلك المنتجات والبضائع الغير صالحة للاستهلاك البشري من الأسواق المجاورة، وخاصة الإسرائيلية، وإعادة طرحها في السوق الفلسطيني. أما ما اقصده من “التقاط” فأقصد به البحث عن تلك المنتجات التي يجري التحفظ عليها ومنع تداولها في الأسواق المجاورة بسبب انتهاء صلاحيتها أو عدم مطابقتها للمواصفات، و/او رسوبها في الفحوصات في تلك الأسواق، وهذا يعني تحولها الى ما يشبه “القمامة” التي يتوجب التخلص منها. وهنا يأتي دور تلك الفئة من “التجار” في التقاط هذه المنتجات، وشراء “القمامة” بأسعار زهيدة جداً، ثم القيام بعملية “إعادة تأهيل” لها كإعادة التعبئة او التغليف او تغيير تواريخ انتهاء الصلاحية… الخ من الطرق التي تستهدف خداع المواطن الفلسطيني وبيعها له بالسعر العادي.

النتيجة الحتمية التي يمكن الوصول اليها من الفقرة أعلاه لا تعني بالضرورة ان المنتجات الإسرائيلية عموماً ملوثة او غير صالحة للاستهلاك البشري، والنتيجة الوحيدة المؤكدة هي ان ما هو موجود في السوق الفلسطيني من تلك المنتجات هو الفاسد أو غير صالح. تعمدت التفصيل قليلاً في الفقرة أعلاه حول دورة المنتجات الفاسدة لكي أصل الى القضية التي اريد طرحها هنا وهي قضية مقاطعة منتجات الاحتلال. حيث يلفت الانتباه الى ان جزء من الدعاية التي تستند اليها بعض المؤسسات والهيئات في حملات المقاطعة يقوم على فكرة ان فحص عينات من المنتجات الإسرائيلية في السوق الفلسطيني اثبت تلوثها او عدم صلاحيتها وبالتالي فان هذا الامر يشكل مدخلاً لمقاطعتها. جملة من الأسئلة تطرح نفسها هنا وعلى سبيل المثال لا الحصر: ماذا لو قامت احدى الشركات الإسرائيلية المنتجة بدراسة وفحوصات اثبتت العكس مثلاً، هل تسقط فكرة المقاطعة؟ وماذا لو أجريت هناك فحوصات اثبتت تلوث بعض المنتجات الفلسطينية مثلاً، هل ينبغي مقاطعتها؟ ماذا عن جودة وصلاحية المنتجات الواردة من بلدان أخرى مثلاً؟

باعتقادي ان هناك أهمية كبيرة لمراعاة العديد من الأسس والقواعد التي ينبغي الاعتماد عليها عند صياغة وتحديد شعارات أي حملة من الحملات، وبالنسبة لحملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية فانه ينبغي اخذ المزيد من الحرص خلال عملية بناء شعاراتها، وفحص كل الحقائق والبيانات التي تستند اليها تلك الشعارات. خاصة ان هناك العديد من العوامل والمتغيرات التي يمكن ان تترك أثراً واضحاً على توجهات المستهلك والمواطن الفلسطيني تجاه قضية المقاطعة. وغني عن القول ان بعض دروس التجربة خلال السنوات الماضية اثبتت الشعارات الغير مناسبة قد تقود الى نتائج غير مرضية، ومن الممكن ان تكون سبباً كافياً لفشل، او على الأقل عدم التقدم والانجاز، واستمرار المراوحة في نفس المكان.

نبيل دويكات

رام الله-24 تشرين أول 2016

روابط النشر:

http://www.amad.ps/ar/?Action=Details&ID=143382

http://www.amin.org/articles.php?t=opinion&id=29908

http://www.karamapress.com/arabic/?Action=ShowNews&ID=210155

http://www.fateh-voice.net/arabic/?Action=Details&ID=70452

https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2016/10/24/419641.html

http://group194.net/article/76566

http://www.ppp.ps/ar_page.php?id=134c472y20235378Y134c472

http://www.wattan.tv/news/189818.html

 

You are not authorized to see this part
Please, insert a valid App IDotherwise your plugin won't work.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *