مرت ذكرى العاشر من شهر كانون اول هذا العام بإحياء الفعاليات المختلفة في كل انحاء العالم، على المستويات الرسمية والشعبية. تماماً كما كان الحال منذ العام 1950، حين اقرت هيئة الامم المتحدة تاريخ العاشر من كانون اول رمزاً سنوياً عالمياً لحقوق الانسان، وهو يصادف نفس اليوم الذي اقرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعلان العالمي لحقوق الانسان في العام 1948. ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم تكرس هذا اليوم كرمز للدفاع عن حقوق الانسان.

من المفترض ان تكون مواد الاعلان قد حُفظت عن ظهر قلب، ليس فقط من قبل النشطاء والمدافعين عن حقوق الانسان، بل حتى لدى الكثير من المواطنين في كل انحاء العالم،. ومن دون الدخول في مواد الاعلان فان القاء نظرة سريعة على الارضية التي بني عليها تشير الى انه جاء كحصيلة تجربة مريرة عاشتها البشرية على مدار عدة عقود من الزمن. وخاصة حقبة الحربين العالميتين الاولى والثانية، التي شهدت اكبر واوسع سلسلة من انتهاك حقوق الانسان. انتشر الدمار على نطاق واسع وغير مسبوق، واستخدمت انواع كثيرة من الاسلحة الفتاكة التي قتلت وجرحت عشرات ملايين البشر، وتشردت ملايين اخرى، ودُمرت مقومات دول وشعوب كثيرة. وكانت المحصلة النهائية هي غرق الكرة الارضية في بحر من الدماء والمعاناة التي لا زالت بعض اثارها ماثلة أمامنا حتى الآن.

من هذه التربة نبتت شجرة حقوق الانسان كأول وثيقة على المستوى العالمي، ربما لتؤكد على اهمية الانسان وحقوقه في مجالات كثيرة، ومنه تفرعت لاحقاً العديد من المواثيق والعهود الدولية التي هدفت الى تأطير هذه الحقوق، ووضع الضوابط والحدود التي تكفل حمايتها. وهي بشكل عام عبرت عن تنامي نوع من “الحساسية” البشرية الانسانية، وفي ثقافة المجتمعات عامة تجاه الانسان واحترام حقوقه. وربما يؤشر ذلك الى مقدار “الندم” الذي تشعر به البشرية عموماً تجاه الانتهاكات والفظائع التي ارتكبت خاصة خلال الحربين العالميتين. وحتى نهاية القرن العشرين انشغلت البشرية عموماً، ومنظمات ونشطاء حقوق انسان في تطوير “أجيال” مختلفة من حقوق الانسان عبر طيف واسع من المعاهدات والمواثيق الدولية.

بالنسبة للمواطن العادي هذه الايام، فان مجرد المتابعة السريعة لتطورات الاحداث، سواء في فلسطين، او في المحيط الاقليمي او الدولي عموماً، فان اول ما يلفت الانتباه هو ليس فقط انتشار القتل والدمار والخراب في دول ومجتمعات كثيرة، وإنما اتساع مدى القبول او الرضى عن مثل هذه الانتهاكات، او الصمت تجاه ذلك. اما الاخطر في كل ذلك فهو محاولات التبرير لهذه الممارسات واضفاء “الشرعية” الاخلاقية عليها واظهارها وكأنها تأتي في سياق الدفاع عن حقوق الانسان.

في فلسطين، توفي او قُتل الأجداد الأوائل الذين تصادف تشريدهم عن ديارهم في نفس عام الاعلان العالمي لحقوق الانسان، بينما لا زال احفادهم من لجوء الى آخر، ومن تشريد الى تهجير. وحتى المخيمات التي لجأوا اليها تهدم فوق رؤوسهم. لم ينتهي التشريد بعد. حتى الشهداء فقدوا الحق في ان تدفن جثامينهم  بحرية وكرامة تليق بالبشر.

لم يعد كل ذلك حصراً على فلسطين، بل امتد الى بقاع كثيرة، في الوطن العربي، وعلى امتداد بقاع الارض يُقتل ويُجرح ويُشرد ملايين البشر، رجالاً ونساءاً واطفالاً ومسنين، اما عن السجن والتعذيب والاغتصاب والحرمان من العمل والتنقل والسكن… وغيرها من الحقوق فحدث ولا حرج.

لم نعد قادرين حتى على “إحصاء” الضحايا ولا اماكن دفنهم، ولا السجناء والجرحى والمهددين بالموت بطشاً او جوعاً او تعذيباً او حتى في اعماق البحر هرباً من كل او بعض ذلك. وبالكاد ننجح في توفير الخيام وماء الشرب والادوية ولقمة الطعام اليومي لبعضهم. وتتراجع قدرة منظومة حقوق  الانسان ومنظماتها الاممية والمحلية على الفعل وتحقيق انجازات نوعية ملموسة.

خلاصة القول انه بعد ما يقارب سبعة عقود من الاعلان العالمي لحقوق الانسان فان الانجازات التي تحققت بفضله تبدو مهددة بالاندثار، وخاصة خلال العقدين الاخيرين. اما الثقافة البشرية والحساسية الانسانية التي افرزت الاعلان فإنها تتعرض لانتكاسات عديدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل يمكننا وقف هذا الانتكاس والتراجع؟؟ وكيف؟  لم يعد يكفي تكرار المفاهيم والعبارات والطقوس في هذه المناسبة.  وبدون  عمل فعلي لوقف الانتكاسات فان الاعلان وملحقاته عموماً سوف يتحول الى مجرد مفاهيم وكلمات للتاريخ. واذا ما تواصلت الانتكاسات فلن يبقى لحقوق الانسان معنى بدون وجود الانسان.

نبيل دويكات

رام الله-26 كانون أول 2016

روابط النشر:

http://www.wattan.tv/news/194311.html

http://www.amin.org/articles.php?t=opinion&id=30307

https://www.amad.ps/ar/?Action=Details&ID=152177

http://www.ppp.ps/ar_page.php?id=13f9f26y20946726Y13f9f26

https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2016/12/28/425122.html

 

You are not authorized to see this part
Please, insert a valid App IDotherwise your plugin won't work.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *