قبل عامين تقريباً لفت انتباهي تقرير صحفي في أحد المواقع  الاخبارية المحلية الالكترونية وتحت عنوان ” أول فتاة خرجت في “هبة القدس”… مسيحية يسارية..”، جذبني عنوان التقرير لقراءته حتى نهايته، وهو يتحدث عن فتاة فلسطينية اصيبت خلال المواجهات مع جنود الاحتلال، ويستعرض التقرير تفاصيل عن أصول وتاريخ عائلتها ودورهم النضالي، وظروف ووقائع اصابتها برصاص الاحتلال. لا أعرف بالضبط إن كان اختيار العنوان كان بهدف جذب انتباه القراء أم أن هناك أسباب اخرى. لكنني وجدت نفسي بعد انتهاء القراءة اتساءل بالذات عن بعض المفاهيم التي استخدمت في العنوان والتقرير، وتحديداً مفاهيم “مسيحية” “يسارية”، ماذا تعني؟! ولماذا تم اختيارها لتكون ضمن عنوان التقرير؟!

لم أتمكن في حينه من تحديد إجابة واضحة عن هذه الاسئلة، وغيرها من الاسئلة العديدة التي تفرعت عنها، غير ان بعض التركيز على ما تنشره وسائل الاعلام، المحلية والعربية، وتحديداً حول المفاهيم الذي ذكرتها أعلاه قدمت لي الكثير من المؤشرات والشواهد على “رؤيا” مختلفة لمفاهيم كالدين، الوطن، المواطنة، الوطنية والعلاقة المتداخلة والمتشابكة بين هذه المفاهيم مجتمعة. وهو ما زاد  عندي من عدد الاسئلة التي تتفرع عن الموضوع. من الذي يقدم هذه “الرؤيا” الجديدة؟! ما الهدف من طرحها؟ وهل بحث احد في “الرؤيا” التي نعرفها سائدة في مجتمعنا منذ ان تفتح وعينا المجتمعي والوطني؟ وهل وجد أحد ما “سلبية” ما في تلك “الرؤيا” لكي يطرح بديل لها؟! وغيرها الكثير من الاسئلة.

اما ما لاحظته منذ ذلك الحين فهو عبارة عن “تضخيم” ونفخ  كبير في “الرؤيا” الجديدة، وعلى مدار عامين لاحظت تركيزاً كبيراً، سواء في وسائل الاعلام المختلفة أو عبر المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي، على صورة تتلخص مضامينها في: ابراز صورة انسان “مسيحي”، ذكر أو انثى، يشارك في نشاطات وطنية ومجتمعية، ويقوم بأنشطة كتوزيع الماء على الصائمين في شهر رمضان، أو يعمل “مسحراتي”، أو يشارك في المواجهات مع قوات الاحتلال ضد اقتحامها للمسجد الاقصى. وبعضها  يتحدث مثلاً عن احدى الكنائس المسيحية وهي ترفع الآذان كنوع من الاحتجاج على القانون الاحتلالي المرتبط بقضية منع الآذان، .. وغيرها الكثير من العناوين التي يكفي جهد بحثي بسيط للإطلال عليها. ومؤخراً التركيز الكبر على صور رجال دين مسيحيين وهم يعلنون وقوفهم ضد اجراءات الاحتلال في المسجد الأقصى.

المواطنة ليست حكراً على دين محدد، كما انها ليست حكراً على مذهب أو فكر معين، وكذلك الوطنية والانتماء المجتمعي. عل الاقل هذا ما تربى عليه جيلنا منذ عدة عقود من الزمن. ولذلك لا اعتقد ان هناك حاجة لتسليط ضوء كبير على مشاركة فتاة “مسيحية” في النضال الوطني، أو مشاركة رجل دين “مسيحي” في التصدي لانتهاكات الاحتلال للأماكن المقدسة الاسلامية، أو مشاركة شبان “مسيحيون” في نشاطات وفعاليات اجتماعية ووطنية مختلفة. او مشاركة مواطن “يساري” او “علماني” في أي اعتداء احتلالي ضد اي مسجد او كنيسة. ولا حاجة ايضاً لتسليط ضوء خاص على مشاركة النساء في الفعاليات والانشطة الوطنية والمجتمعية.

قد يكون تسليط الضوء هو نوع من إبراز الانتماء وتعظيم قيمة العمل ومن يقوم به، والتركيز على الجوانب الايجابية. في التضامن والانتماء الوطني والمجتمعي. لكن تكرار التركيز وبصورة مبالغ فيها قد يقود الى نتائج سلبية اكثر منها ايجابية، ومقولة  “ليس كل ما يلمع ذهباً” مقولة رائعة وتعكس الصورة بشكل مناسب. اما مقولة “الزائد اخو الناقص” فقد وجدت فيها تعبيراً أوضح عن هذا الامر. من الذي قال ان المسيحي أو اليساري أو العلماني أو المرأة أو اي مواطن من اي شريحة أو مذهب ديني أو فكري أو سياسي بحاجة دائمة الى تسليط ضوء خاص اعماله لكي يثبت انه مواطن ووطني؟! هذا باعتقادي توجه غير سليم جملة وتفصيلاً.

 اما التعبير الصادق عن المعاني الصحيحة لمعنى الوطن والانتماء الذي عرفناه على امتداد تاريخ طويل فقد عبر عنه الصديق الصحفي وليد البطراوي على موقع التواصل الاجتماعي الخاص به حين قال: “هلكتونا بقصة التآخي الاسلامي المسيحي وكأنه اشي جديد. وانا في المدرسة ما كنت اعرف مين في صفي مسلم ومين مسيحي، وياما صلينا واكلنا وشربنا وضحكنا وحزنا وطلعنا مظاهرات مع بعض، فيعني فكونا من هالقصة وشوفولكم شي ثاني”

سواء كان هذا التركيز بقصد ام من غير قصد فان مجرد طرح الامور بهذه الصورة انما يعيد خلط الكثير من المفاهيم، أو على الاقل اعادة نقاشها من جديد دون حاجة لذلك. وفي اعتقادي فان مفهوم الوطن والمواطن، ومعاني المواطنة والوطنية واضحة بصورة لا تقبل ادخال كل تلك المعاني “المستحدثة” عليها، وليس مطلوباً من “المسيحي” او “اليساري” او “العلماني” او “المرأة” أو اي فئة أو شريحة أو صاحب دين أو مذهب أو معتقد فكري اثبات أو ابراز مشاركته الوطنية والاجتماعية. وليس هناك من افضلية لأي أحد على آخر في هذا المجال سوى أفضلية المشاركة الفاعلة دون ادنى اعتبار لأي نوع من انواع التمييز بين ابناء وبنات وطننا الواحد فلسطين، وعلى الأقل هذه ما خبرته تجربة سنوات النضال التي اثبتت ان اي تغيير في هذه “المعادلة” والمفاهيم لن يصب في مصلحة الوطن والنضال، سواء كان ذلك قصداً أو من غير قصد.

 

نبيل دويكات

رام الله-25تموز 2017

روابط النشر:

http://www.wattan.tv/news/209990.html

https://www.amad.ps/ar/?Action=Details&ID=184084

http://www.tmfm.net/article/45536

http://www.asdaapress.com/?ID=25682&cat=7

http://samanews.ps/ar/post/308946/

http://www.fateh-voice.net/post/83963

https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2017/07/29/441885.html

http://www.ppp.ps/ar_page.php?id=14a6390y21652368Y14a6390

You are not authorized to see this part
Please, insert a valid App IDotherwise your plugin won't work.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *