التاريخ: 29/8/2013
يوميات مواطن عادي
(10)
المجتمع يلتهم أبناءه!

يحافظ كل مجتمع من المجتمعات البشرية على استمراره وديمومته من خلال تجديد نفسه واعادة انتاج الاجيال المتلاحقة من ابنائه، ومن ناحية ثانية باعادة انتاج ثقافته التي تشكل صمام أمان آخر لاستمراره وديمومته. وبالنسبة للمجتمعات البشرية فإن “إعادة الانتاج” هي بشكل عام عملية ديناميكية ومرنة بحيث أنها تسمح أو تفتح المجال للتطور والتقدم بما يراعي تطور وتقدم الانسانية وثقافاتها عموما ، وبمعنى آخر فإن اعادة “انتاج” الثقافة تختلف اختلافا كليا عن “نسخ” الثقافة وتناقلها عبر الاجيال بصورة حرفية جامدة. ويتضمن مفهوم الثقافة جملة من المفاهيم الأخرى كالقيم، العادات والتقاليد.. وغيرها من المكونات الاخرى. وبالعلاقة مع عنوان المقال أعلاه فإنه يمكن القول أن هناك إجماعا في الثقافة الانسانية عموما على أن من اسوأ الأمور التي يمكن تخيلها هو أكل لحوم البشر، وربما يمكن اعتبار ذلك جريمة من الجرائم ضد الإنسانية، ولا يستطيع عقل بشري تقبل حدوث هذا الأمر، وربما لن يصدق ذلك عند سماع خبر عن حدوثه في مكان ما من هذا العالم، وربما اكثر من ذلك ان صفة “آكل لحوم البشر” تستخدم في غالبية المجتمعات عندما يراد التعبير عن وحشية وهمجية شخص أو مجموعة او سلوك ما.

خطرت ببالي هذه الأفكار في خضم الأحداث اليومية التي نعيشها في مجتمعانا، والتي لا تكاد تخلو من عمليات وجرائم كالسرقة، الاعتداء، والقتل واصبحت هذه الاخبار شبه يومية. وقد يصاب الانسان بالذعر حين يتابع تفاصيل كل حادثة من هذه الحوادث. غير أن الضرر الأكبر هو ما يصيب المجتمع عموماً. صحيح أن معاناة الأفراد والأسر كبيرة نتيجة ذلك، لكن المجتمع هو أكبر وأكثر الخاسرين، لأن السارق والمسروق، المعتدي والمعتدى عليه القاتل والمقتول كلاهما منه، وكذلك الاسر والعائلات، وتداعيات وانعكاسات الحدث تصيب المجتمع بصورة أوسع وأعمق مما تصيب الافراد والعائلات والأسر.

فيما يتعلق بحوادث القتل تحديدا فانه مع كل حادثة جديدة تنشط وتكثر الاجتهادات والتحليلات والاقتراحات من اجل التفسير والتحليل والمعالجة ووضع الحلول الجذرية. وخلال الآونة الاخيرة يكاد ينحصر الحديث حول التفسير والتحليل على عدة محاور أبرزها:
أولا: القانون وهذا التوجه يرى أن غياب قانون رادع هو السبب الرئيسي في تزايد عمليات القتل تحت مختلف الاسباب والمسميات، وفي اعتقاد هذا التوجه ان تغيير القانون وفرض عقوبة الاعدام على القاتل سيعالج المشكلة .
ثانيا: تدني أداء الأجهزة والسلطات المختصة والخلل في أنظمتها واجراءاتها، وهذا التوجه يشير الى اجهزة الشرطة والقضاء والنيابة العامة عموما والمحافظات وغيرها من السلطات المختصة.
ثالثا: القضاء العشائري حيث يشار اليه احيانا بالضعف، واحيان اخرى عدم الجدية والمثابرة والمتابعة في وضع الحلول الجذرية للقضايا والمشكلات.

لا أريد حاليا التوسع في مناقشة هذه التوجهات الثلاث، وساناقش كل منها بالتفصيل في مقالات لاحقة، لكن اريد فقط التأكيد على ان الجوانب الثلاث المشار اليها هي فعلا أحد أهم الأسباب التي تسهم في تفاقم الظاهرة وانتشارها، لكني اعتقد ان السبب الجوهري والرئيسي يكمن في القيم والعادات والتقاليد، وبصورة اكثر دقة ربما تراجع او حتى انهيار في قيمنا المجتمعية، ولم تعد قيم مثل التسامح، التعاضد، العفو عند المقدرة، التضحية….الخ تعني لنا شيئا على ارض الواقع، بل تبقى شعارات عامة نقرأ ونسمع عنها في المدارس والنوادي ودور العبادة وغيرها من الاماكن، اما في الواقع فانه يخرج من بيننا من يعتدي ويغتصب ويسرق ويقتل إنسانا آخر ، وفي نهاية المطاف يجد لنفسه ما يبرر فعلته وينام مرتاحا هادىء البال والضمير، والادهى ان يجد من يبرر له ذلك ايضا. وفي هذه الحالة في اعتقادي لن تكون عقوبة الاعدام للردع ولا اصلاح اداء الاجهزة والمؤسسات المختلفة ولا غيرها من الخطوات والمعالجات كافية، بل علينا العودة إلى “رأس النبع” والبحث في التغييرات الحاصلة على ثقافتنا خلال السنوات الاخيرة، والى اي اتجاه تميل قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا.

اقصد من مقالتي هذه الاشارة الى أن حوادث السرقة والاعتداء والانتحار والقتل… وغيرها التي يلاحظ تكاثرها واتساعها في واقعنا اليومي تحتاج منا إلى أكثر من البحث على السطح وفي القشور، لأن البحث فيها ربما يساهم في معالجة قضية فردية وبصورة مؤقتة، أما الحل والمعالجة الجذرية فإنه يحتاج منا إلى تدخل أوسع وأكثر عمقا وشمولية حتى لا نتحول الى مجتمع من المجتمعات آكلة لحوم البشر، ينتج اجيالا جديدة ثم ينتج معها اسباب ومبررات قتلها وتدمير ها ونتحول الى مجتمع من المجتمعات، ولكنه المجتمع الذي يأكل ويلتهم أبناءه.

انتهى

نبيل دويكات
رام الله- 29 آب 2013
http://arabic.pnn.ps/index.php/ideas/64825-7
http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2013/08/28/304285.html
http://www.wattan.tv/new_index_hp_details.cfm?id=a8054434a3687261&c_id=9
http://fatehtoday.com/ar/?action=post&postid=7754
http://www.amin.org/articles.php?t=opinion&id=22093

 

You are not authorized to see this part
Please, insert a valid App IDotherwise your plugin won't work.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *