التاريخ:24/10/2013
يوميات مواطن عادي
(16)
الانفلات الأمني… وإنفلات القيم

يدور حديث وجدل هذه الأيام عما اصطلح تسميته “حملة أمنية”، حيث تقوم أجهزة الأمن الفلسطينية بحملة في احدى محافظات الوطن، أثارت نوع من الجدل حول طبيعتها واهدافها ونتائجها. في حين ظهر محافظ محافظة اخرى في وسائل الاعلام ليرد على شائعات ترددت عن النية للقيام بحملة امنية في المحافظة على غرار الحملة في المحافظة الاولى، مشددا على انه لا حاجة لمثل تلك الحملة حيث الاوضاع آمنة ومستقرة وتتم معالجة الامور بصورة يومية. وهذا يدعو الى التساؤل عن معنى ومفهوم “الانفلات الأمني”، لان الاتفاق على تعريف محدد وموحد للمفهوم يمكننا أولا من سهولة التشخيص وثانيا من ايجاد الحلول والمعالجات. وبدون ذلك فاننا سنبقى ندور في حلقة مفرغة تراوح بين وجود او عدم وجود انفلات امني، وبين طرق ووسائل المعالجة في حال وجوده، وبين هذا وذاك يستمر المواطن الفلسطيني في المعاناة في كل الاحوال.

هناك عشرات الاسئلة التي تطرح نفسها ويتوجب الاجابة عليها للوصول الى تعريف موحد حول مفهوم الانفلات الامني، وعلى سبيل المثال لا الحصر: هل هو بمدى انتشار السلاح بايدي المواطنين؟ ام بانتشار السرقات؟ ام عمليات النصب والاحتيال؟ ام انتشار جرائم القتل والاعتداءات؟ ام تخريب الممتلكات العامة او الخاصة؟ ام انتشار المخدرات؟ ام اخذ القانون باليد؟ ام انتشار التهريب والمتاجرة بالمواد المهربة؟ ام الغش في الاغذية والمواد؟… وغيرها الكثير الكثير التي تزيد من حيرة المواطن الذي يرى ويعايش الكثير من الظواهر السابقة، وربما يكون ضحية لبعضها ايضا. ليس هذا فحسب، بل انه يعاني من الفقر والبطالة وتراجع الاوضاع الاقتصادية والصحية والاجتماعية. وفي نفس الوقت فانه يتابع ايضا اخبار سوء ادارة وهدر المال العام، الفساد والرشوة والمحسوبية في شتى المجالات وكل القطاعات، كما يتابع اخبار ضعف اداء الجهاز ين التنفيذي والقضائي، فضلا عن شلل الجهاز التشريعي، وغيرها العديد من الهيئات والمؤسسات، ليست الرسمية فحسب بل حتى المؤسسات والهيئات غير الرسمية ايضا. يتفاعل المواطن العادي مع كل ذلك، وعلى بساطته يحاول فهم الواقع والخروج بامر ما لكن النتيجة الاساسية التي يخرج بها هي احساس دائم وعميق بعدم الامن والاستقرار والخوف من القادم والمستقبل، وهو ما يمكن ملاحظته في كل لحظة في السلوك والتصرفات اليومية وحتى العبارات التي يستخدمها المواطن العادي والتي تؤشر على هذا الشعور والاحساس.

كتبت في العام 2005 مقالة حول الانفلات الامني ونشرتها احد المواقع الالكترونية، وتساءلت في نهايتها عما “اذا هناك علاقة بين الظاهرة ومنظومة القيم الاجتماعية السائدة والمتعرضة للتغيير خلال السنوات الأخيرة؟” . في ذلك الوقت كان هناك ما يشبه الاجماع على تشخيص وجود حالة الانفلات الأمني، وكان هناك شبه اجماع على ان القضاء على الظاهرة يتطلب حلول امنية، وانهالت الدعوات على اجهزة الامن للتحرك ووضع حد للظاهرة. بعد عدة سنوات من ذلك، وبعد التطور والتوسع في اجهزة الامن المختلفة وتعزيز قدراتها في كل المجالات فانه يبدو ان التغيير الحاصل في واقع حياة المواطن العادي من ناحية الشعور بالأمن هو تغيير يمس الشكل فقط، في حين يبدو ان التغيير في المضمون هو بالاتجاه المعاكس تماما. ولا يمكن لاي كان انكار تفشي الكثير من الظواهر التي اشرت اليها اعلاه، بل ان الارقام والاحصاءات المختلفة تثبت ذلك. واذا اخذنا فقط ظاهرة استخدام الاسلحة، فانه يكفي فقط ان تعيش ليلة واحدة في مدينة كمدينة نابلس لتدرك ذلك، حيث تطلق النار في مناسبات الاعراس والخطوبة والمولود الجديد والشفاء من المرض والسفر والعودة من السفر والخروج من السجن والحج والعمرة والنجاح في الامتحانات والتخرج من الجامعة… وغيرها الكثير، ويعرفه سكان المدينة، بل انهم يتندرون احيانا عند سماع صوت اطلاق النار والتساؤل عن السبب والمناسبة بالقول: ان احد ما يريد التعبير عن سعادته من طعام الغداء!!

كتب أحد الاصدقاء، وهو أحد الشخصيات الوطنية المعروفة بصدق انتمائها، على إحدى مواقع التواصل الاجتماعي: “الوضع السياسي مزري للغاية …الوضع الاقتصادي متردي جداً… الوضع الأمني أيضا متردي إلى حد يبعث على القلق والخوف وينذر بمترتبات خطيرة على كل الأصعدة …الناس استوعبت ولا زالت تستوعب المراوحة السياسية في المكان، واستوعبت أيضا حالة التردي الاقتصادي وصمدت أمام اصعب المراحل في ظل انتفاضتين متتاليتين تخللهما فقر وحصار وقهر وجوع وبطالة، لكن ان تستوعب الناس حالة من الفوضى والفلتان الامني وعدم الطمأنية والسكينة والاستقرار لا اعتقد ذلك…”. وصديقي نفسه كان قد كتب ايضا حول احدى تجاربه: “كنت ذات مرة في أحد الاجتماعات الرسمية لبحث سبل محاربة الانفلات وانهاء ظاهرة الخارجين عن القانون وكان وقتئذ من بين الحضور مسؤول في أحد الأجهزة الأمنية تحدث فيه بحماس غير عادي عن الانفلات والمنفلتين، وبعد الخروج من الجلسة مباشرة وبينما كنا خارجين من القاعة التي جرى بها الاجتماع صادفنا احد اكبر الخارجين عن القانون على باب القاعة واذا بالمسؤول الامني يبادر بمصافحته بحرارة وعناق وقبلات كما لو كان خارجا من الاسر قائلا له: وينك يا رجل لماذا لم تحضر الجلسة؟.. كنا في الجلسة نتحدث عن دوره في الجريمة واشاعته للفوضى وممارسته لكل اشكال الرذيلة وعندما رآه اخذه بالاحضان.”

في اعتقادي ان الانفلات الامني مفهوم واسع ويشمل جملة من المفاهيم والتي ترتبط بمجملها بموضوع القيم التي يقود انهيارها، او على الاقل تراجعها، الى الشعور بعدم الامن والامان والاستقرار، وهو ما يدفع كل مواطن الى الاجتهاد في البحث عن بعض المتطلبات التي توفر له حالة من الشعور بالامن والاستقرار بمعزل او بغض النظر عن دور الهيئات والمؤسسات المجتمعية المختلفة. وتؤكد القصة التي تحدث عنها صديقي الى ان احدى اهم الاشكاليات التي تواجهنا في موضوع الانفلات هي الاتفاق والتوافق على مفهوم واحد وموحد للمفهوم، وهو ما يشكل مدخل مناسب وصحيح من اجل الدقة في التشخيص، ويمكننا من وضع اليد فعلا على مكامن الخلل، وبالتالي يسهل علينا وضع الآليات من اجل المعالجة. والاهم من كل ذلك هو بحث العلاقة والرابط بينه وبين القيم التي تبقى هي الاساس والمحور الذي تبنى على اساسه المجتمعات، ومن خلالها تتمكن من تطوير وتنمية ذاتها وترسيخ استقرارها. وبدون ذلك سنبقى ندور في نفس الحلقة المفرغة، ويبحث كل منا عن حلول لا ترقى الى الجوهر والمضمون، وانما تبقى في اطار الشكل والقشور، ولا تلبث ان تؤدي الى ازمات اخرى تضاف الى الوضع المتأزم من اساسه.

نبيل دويكات
رام الله- 24 تشرين الأول 2013
http://www.wattan.tv/new_index_hp_details.cfm?id=a88355a2114442&c_id=9
http://www.maannews.net/arb/ViewDetails.aspx?ID=640756
http://www.amin.org/articles.php?t=opinion&id=22464

 

You are not authorized to see this part
Please, insert a valid App IDotherwise your plugin won't work.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *