التاريخ:30/10/2013
يوميات مواطن عادي
(17)
رئيس الوزراء .. والعصا السحرية!!

أحدث جولات الجدل المحلي تدور هذه الأيام حول الزيارة المفاجئة التي قام بها رئيس الوزراء د. رامي الحمد الله الى مقر وزارة التربية والتعليم. وبالطبع فان الجدل لم يقتصر على حديث الشارع والمنتديات، وانما توسع الى مواقع التواصل الإجتماعي والإعلام المحلي على إختلافه. المتابع لهذا الجدل يمكنه وبسهولة ملاحظة أنه يدور حول وجهات نظر مختلفة تتراوح بين مؤيد لهذه الزيارة ومشجع لها مكاناً وزماناً وأهدافاً ونتائج، وربما داعية لتكرارها لأسباب وإعتبارات سأتطرق لها لاحقا، وبين مؤيد للزيارة، ولكنه يعتقد أنها جاءت في الوقت غير المناسب من حيث الزمان، قبل موعد بدء الدوام الرسمي، وبالتالي فإن النتائج المرجوة منها لا تكاد تذكر، لدرجة أن بعض وسائل الإعلام أطلقت على الزيارة إسم “غارة”. وبين وجهة النظر هذه وتلك الكثير الكثير من ردود الفعل والتوضيحات والإجتهادات، والتحليلات والتفسيرات.

هذه الزيارة لم تكن حدث فريد من نوعه في واقعنا الفلسطيني، فقد سبقها قبل عدة أسابيع زيارة مشابهة قام بها أحد الوزراء في الحكومة الحالية لإحدى مكاتب وزارته. وقام قبل عدة أشهر وزير الصحة في إحدى الحكومات السابقة بزيارة متابعة عادية لأحد مرضاه في المجمّع الطبي في رام الله باعتباره طبيب، وغادره قبل أن يتنبه مدير وموظفوا المجمع الى أن الوزير موجود في المجمّع. وربما هناك أحداث ومبادرات مشابهة حدثت وتحدث، ولا نعلم بها، غير أن ما يستدعي الإنتباه هو حجم التفاعل مع مثل هذا الحدث، وحجم التوقعات وألآمال التي تُبنى على مثل هذه الزيارات. “مؤيدوا” مثل هذه الزيارات والجولات، التي يقوم بها رئيس الوزراء أو وزراء الحكومة، يرون فيها بداية نهج جديد، أو على الأقل مختلف، في التعامل مع الكثير من الظواهر السلبية وجوانب الخلل والترهل في أداء الهيئات والأجهزة الحكومية. والمدقق في تفاصيل ردود الفعل يرى انه حتى “المعارضين” يؤيدون الزيارة ويبنون نفس الآمال والتوقعات عليها، وإعتراضهم ليس من ناحية المبدأ، وانما ينطلق من اسباب واعتبارات فنية ولوجستية مثل موعد الزيارة وغيرها.

إستعراض كل ذلك يذكرنا بالممثل السوري الشهير أيمن زيدان وبطولته لمسلسل “يوميات مدير عام”، الذي استطاع ان يجذب انتباه مشاهديه بحجم ونوعية الحركات والخطوات التي كان يقوم بها في متابعة مكاتب وزراته المختلفة متخفيا تحت ستار عامل نظافة أو بائع أو صاحب معاملة أو غيرها من الشخصيات بهدف كشف مظاهر الخلل والفساد التي كانت متفشية فيها. إستطاع هذا المسلسل أن يكوّن رأي عام جمعي ليس فقط مضاد للفساد والخلل في أداء الأجهزة والهيئات الحكومية وغير الحكومية، وإنما أيضا قناعة بان الفساد والخلل يحتاج الى “أشخاص” يمتلكون الإرادة والقوة لمواجهتة ومحاربتة أولا، ويقومون بهذا الأمر عبر طرق ووسائل “غير تقليدية” ومفاجئة، ومبهرة أحيانا، حتى لأقرب مقربيهم ثانيا، وثالثا يحصلون على الدعم والتأييد ممن يمتلكون قناعة ورغبة في إنهاء الخلل والفساد.

في إعتقادي من المهم ان تكون هناك قناعة ومن ثم إرادة لمواجهة أي خلل أو ترهل أو سوء أداء في أي مكان، وهي تشكل مدخل أساسي لمواجهة والتصدي لمثل هذه الظواهر وإجتثاثها، وبدون الإرادة لن يكون بالإمكان فعل أي أمر يستحق الذكر لتحسين وتطوير الأداء وإجتثاث كل الظواهر السلبية التي تتخلل العمل المؤسساتي على إختلاف تفاصيله ومسمياته ومستوياته. كما أنه من المهم أيضا في هذا السياق أن يكون هناك طرق ووسائل مختلفة ومتعددة، وبعضها مفاجئة أو مبهرة،أو يمكن تسميتها مُبدعة، ومن المهم أيضا أن يحظى كل ذلك بدعم وتأييد مجموعات واسعة من المواطنين، وهم المتضرر الأول من إستمرار وتفشي الخلل والظواهر السلبية. لكن الأمر غير الطبيعي هو أن يتكون رأي جمعي عام مفاده أن مواجهة الظواهر السلبية هي مهمة تقتصر فقط على أشخاص محددين، أصحاب مناصب مؤثرة ولهم أساليب غير تقليدية، في حين يكتفي بقية المواطنين فقط بتأييدهم والتصفيق لهم.

بالعودة الى موضوع الزيارة فان السؤال الرئيسي الذي يبرز هو ما الأثر المتوقع للزيارة؟ واذا إفترضنا أن الجواب سيكون أنها أحدثت أثراً جيداً، وعلى الأقل بإعطاء زخم ودفع للنقاش والجدل حول الظواهر السلبية من أرفع المستويات، فإن السؤال التالي سيكون عن مدى إستمرارية هذا الأثر؟ ومن ثم السؤال هل يتوجب على رئيس الوزراء القيام بزيارات مشابهة لكل الوزارات والهيئات الحكومية لكي تتعمم الفائدة والأثر؟ وما هو التكرار المطلوب للزيارات لتكريس الأثر والفائدة؟ هناك قاعدة إستخدمتها ونادت بها العديد من الأحزاب التي إستطاعت أن تؤثر في مجرى تاريخ شعوبها تقول: “من الخطأ إحلال القيادة محل الحزب، أو إحلال الحزب محل الجماهير”. وفي اعتقادي فإنه من الجيد أن يتوفر لدى شخص صاحب منصب رفيع في مستوى رئيس الوزراء قناعة وإرادة ورغبة في مواجهة الخلل والفساد والترهل وسوء الأداء، وهو يشكل نقطة انطلاق قوية وذات دفع عالي. وأن يكون محاط بمجموعة كبيرة من الداعمين والمؤيدين، وان يتخلل العمل خطوات رمزية تبعث الأمل لدى الداعمين، وتثير قلق المعارضين. لكن كل ذلك في اعتقادي لا يكمن أن يكون بديل لبرنامج عمل منظم وممنهج ويمتلك رؤية وأهداف واضحة ومحددة قصيرة وبعيدة المدى، والمهم أن يكون هناك آلية قابلة للتطبيق والتنفيذ على كل المستويات والقطاعات، كما أنه من المهم أن يشارك كل المواطنين في تطبيق وتنفيذ برنامج العمل ومتابعته والرقابة على تنفيذه. حينها فقط نرسخ أسس وقواعد ثابتة ودائمة وقادرة على الفعل والتأثير في كل هيئة ومؤسسة ومكتب حكومي، وغير حكومي، ولن يكون هناك حاجة لأن يحل رئيس الوزراء محل حكومته، أو أن تحل الحكومة نفسها محل الشعب، بل سيعمل الجميع بتكامل من أجل تنمية وتطوير مجتمعهم، وإجتثاث أي مظهر من مظاهر الخلل في طريقهم، وحينها أيضا ستتقلص الحاجة الى عصا سحرية بيد الرئيس أو رئيس الحكومة أو أي شخص آخر صاحب منصب رفيع ليضرب يها كل ظواهر الخلل والترهل والفساد ضربة واحدة لا ثانية لها، في الوقت الذي يكتفي فيه المواطنين بحملة من التصفيق الحاد والمتواصل.
نبيل دويكات
رام الله- 30 تشرين الأول 2013
http://www.amad.ps/ar/?Action=Details&ID=3039
http://wattan.tv/ar/news/78816.html
http://www.asdaapress.com/2013/10/32333.html#.UnD8ylO94hA
http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2013/10/31/310406.html
http://www.amin.org/articles.php?t=opinion&id=22502
http://www.maannews.net/arb/ViewDetails.aspx?ID=642987

 

You are not authorized to see this part
Please, insert a valid App IDotherwise your plugin won't work.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *