التاريخ:8/11/2013
يوميات مواطن عادي
(18)
انتهاك الخصوصية… وكسر الإرادة

أثارت قضية إكتشاف كاميرات تصوير داخل حمامات النساء في مقر إحدى المؤسسات الحكومية في مدينة رام الله حملة واسعة من النقاش والتداول وعلى كافة المستويات. وبالطبع فإن التداول يتناول كافة تفاصيل الموضوع ومن كل جوانبه وإتجاهاته، وتعددت الدوافع والمنطلقات والأهداف وراء هذا التنوع والكم الهائل من التداول والنقاش، وما يتخلله من تناقل للكثير من المعلومات، التي قد يكون بعضها صحيحا، وبعضها الآخر مبالغ به أو غير صحيح على الإطلاق. ولا أهدف من مقالتي هنا مجاراة هذا النهج في المناقشة والتداول، وإنما سأقوم بعملية تجريد للحدث بهدف الإستفادة منه في كشف ما يحمله من معاني ودلالات، وما يكمن خلفه من أبعاد.
تنبع كثافة الضوء الذي تم تسليطه على الحدث من حقيقة أن الكاميرات المكتشفة كانت موضوعة داخل حمامات النساء، وشكل هذا العنوان الأبرز لدى الكثير من المهتمين والمتابعين. ويعود ذلك لإرتباطه بالثقافة الاجتماعية السائدة، والتي ترى أن كشف أجزاء معينة من جسد المرأة هو قمة التعدي على الخصوصية. في إعتقادي أن تداعيات الحدث ستكون أقل حدة وإثارة للجدل لو أن الكاميرات المُكتشفة كانت موجودة داخل إحدى المكاتب أو في أي مكان آخر، عدا حمامات النساء. وسواء كانت الكاميرات موضوعة داخل الحمامات أو في أي مكان آخر فالنتيجة هي تصوير الإنسان دون معرفته وعلمه، وهذا هو الإنتهاك بحد ذاته. أما المغزي اللاحق لذلك فهو الأهم والأكبر تأثيراً وعمقاً. لا يمكن التعامل مع الانتهاك دون ربطه بأهدافه ونتائجه على الانسان المُنتهَك، على شخصيته وعلاقاته ومحيطه الإجتماعي ونموه وتطوره. صحيح أن خطورة الانتهاك وتأثيره المُدَمِر تزاداد إذا ارتبط بالثقافة الإجتماعية السائدة، لكن هذا لا يعني بأي حال التقليل من أهمية جرم إنتهاك خصوصية الانسان كجريمة قائمة بحد ذاتها، بغض النظر عن نتائجها.

تجربة آلاف المناضلين من أبناء شعبنا الفلسطيني الذين خاضوا تجارب الإعتقال داخل سجون الإحتلال الإسرائيلي تشير الى أنه تم إستخدام هذه الوسيلة. أي انتهاك خصوصية الإنسان، حيث كان الإحتلال يعتمد بصورة دائمة ومتواصلة على ضعفاء النفوس الذين يصطادهم للتعاون معه والتجسس على المعتقلين داخل غرفهم وزنازينهم. وخلال التحقيقات التي كان يجرونها مع هؤلاء المتعاونين، أدرك المعتقلون بشكل عام أن المعلومات التي كانت تجمعها مخابرات الإحتلال وإدارات السجون عنهم من خلال المتعاونين كانت في غالبيتها سخيفة ولا تستحق الذكر والإهتمام في ظروف مختلفة عن ظروف الإعتقال. حيث كانوا يجمعون معلومات حول الأكل والشرب ونوعية الكتب التي يقرؤها المعتقلون ومناقشاتهم وطبيعة العلاقات بينهم وأخبار عائلاتهم وأصدقائهم خارج المعتقل وغيرها من التفاصيل المختلفةوالعادية عن المعتقلين وحياتهم داخل المعتقل لدرجة أن كثير من المعتقلين كانوا يتساءلون بنوع من الشك عن امكانية كون هذه المعلومات هي فعلا ما يطلب الإحتلال من من المتعاونين معه جمعها؟ وبماذا ستفيدهم؟ وكان الإعتقاد السائد في حينها أن الإحتلال يستخدم العملاء من أجل جمع معلومات ذات أهمية كبرى من المعتقلين تفيده في إحباط عملية ما ضد قواته، أو إعتقال خلية لا زالت غير مكتشفة أو أحباط عملية هروب من السجن .. الخ من القضايا ذات الأولوية الكبيرة والمرتبطة مباشرة بأمن الاحتلال وقواته ومتعاونيه.

أدركت طلائع الحركة الوطنية الأسيرة عبر خبرتها وتجربتها ومعاناتها أنه لا يمكن الفصل بين المعلومات التي يجمعها العملاء وبين طرق وآليات وأهداف إستخدامها من قبل الاحتلال. وأدرك المعتلقون أن كسر إرادة المعتقل الفلسطيني هو أحد أهم محاور سياسة سلطات الإحتلال عامة، وإدارات سجونها خاصة. وكانوا يستخدمون المعلومات العادية والبسيطة للإيحاء لكل مناضل فلسطيني، داخل السجن، وحتى خارجه، أن أدق وأصغر تفاصيل حياته وخصوصياته هي تحت علمهم سيطرتهم، وبالتالي عليه عدم الخروج، او حتى مجرد المحاولة، من تحت هذه السيطرة، والبقاء مسلوب الارادة والفعل والإنصياع لما يمليه الإحتلال.

أتوقع الآن أن يكون مقصدي واضحاٍ، وبأنني لا المح الى أن وضع الكاميرات قد يكون مرتبط بالإحتلال وعملائه، وأنني لا أناقش الموضوع من هذه الزاوية مطلقا. وانما أقصد بشكل واضح أنه بالإضافة الى كون إنتهاك خصوصية الانسان جريمة، فإن خطورتها وتأثيرها السلبي على الإنسان يزاد كلما إرتبطت الأمور التي يجري إتهاكها بالثقافة الإجتماعية السائدة. لكن جوهر الموضوع هو فعل الانتهاك الذي في غالب الاحيان من اجل تحقيق هدف او جملة اهداف تبدأ بكسر ارادة الانسان المُنتهك، تعقيبا على الحادثة نفسها طرحت تساؤلا عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي عن امكانية استخدام وسائل التكنولوجيا المختلفة في المراقبة داخل مؤسساتنا كمراقبة الكمبيوترات، الهواتف والبريد الالكتروني، والاجابة التي حصلت عليها هي ان ذلك يستخدم على نطاق واسع جدا ومعروف. والسؤال الجوهري الذي اهدف الوصول الية من خلال هذه المقالة هو انه اذا كانت خطورة الكاميرات داخل حمام النساء في انها تنقل صور في وضع خاص جدا وفي ادق الخصوصيات، وهي لذلك جريمة كبيرة، فهل تعتبر قضية اطلاع احد ما على بريد الكتروني، او سماع مكالمات هاتفية او الاطلاع على ملفات كمبيوتر بنفس الدرجة من الخطورة والاهمية؟؟ وما هي درجة التشابه والاختلاف بين كلا الامرين؟

هو سؤال يبقى برسم النقاش والاجابة،وبمعزل عن المناقشة القانونية في اعتقادي هو ان قيمة المعلومات واهميتها، وقيمة الحفاظ على خصوصية الانسان نفسه، لا تكمن فقط في حقه في امتلاك والحفاظ على هذه الخصوصية والسرية فيما يخصة، وانما تكمن القيمة الاضافية، وربما المعنوية والاهم قوة هي في منع استخدام اية معلومات مهما كانت نوعيتها في الضغط عليه او تهديده او ابتزازه عبر كسر ارادته ليصبح انسان خاضع ومسلوب الارادة. ومسيطر عليه ممن تمكنوا من انتهاك خصوصية هذه المعلومات والاطلاع عليها. وتزداد خطورة هذا الامر في ظل تفشي الكثير من ظواهر المحسوبية والفساد الاداري في مؤسساتنا، وحيث الترقيات للمستويات والمسؤوليات الكبرى في المؤسسات المختلفة تخضع لمعايير مختلفة ليس من بينها القدرة والكفاءة، وبالتالي لن يتمكن المسئول من السيطرة على مرؤسيه الا بالوسائل والطرق المختلفة والغير اخلاقية، عبر كسر ارادتهم لتسهيل السيطرة عليهم وادامة سلطته وسيطرته.

نبيل دويكات
رام الله- 8 تشرين الثاني 2013
http://arabic.pnn.ps/index.php/ideas/72095-انتهاك-الخصوصية-وكسر-الإرادة-بقلم-نبيل-دويكات
http://www.amin.org/articles.php?t=opinion&id=22562
http://www.asdaapress.com/2013/11/70_9.html
http://wattan.tv/ar/news/79535.html
http://www.maannews.net/arb/ViewDetails.aspx?ID=645836

 

 

You are not authorized to see this part
Please, insert a valid App IDotherwise your plugin won't work.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *